Thursday 22 May 2008

رسالة الفصح 2008


رسالة صاحب السيادة
فصح 2008


" هوذا يوم القيامة ، فلنتهلل بالموسم ، ونصافح بعضنا بعضاً . ولنقل أيها الاخوة لمبغضينا أيضاً : لنصفح عن كل شيئ في القيامة" .

وهل أروع من هذا الصفح عن كل شيء؟ فينسى المسيحي كل ما ورائه من رواسب الحقد والضغينة والكراهية، ويسقط من قلبه كل تلك الاغشية التي تغلف قلبه بغلافات عازلة : لنصفح عن كل شيئ بالقيامة " .

هذا النشيد الفصحي ينشده المؤمنون في الوقت الذي يتقدمون فيه لمصافحة الإنجيل المقدس. وكأن الدعوة الى مصالحة الله ، من خلال قبلةالانجيل الكريم، لا تتم إلا في ظل المصالحة الأخوية .

ولا شك ، فالانسان القديم الذي يتحدث عنه الرسول بولس ليس هو الانسان المنشق عن الله ، بل هو أيضاً الانسان العائش في عداوة إخوته البشر. هذا الانسان يعيش خارج دائرة النور ، على حد قول الرسول يوحنا: " من زعم أنه في النور وهو لا يحب أخاه ، لم يخرج من الظلام . من أحب أخاه كان مقيماً في النور ولا خوف من عليه من العثار .

أما من لا يحب أخاه فهو في الظلام ، يخبط في الظلام ، لا يدري أين يسير لأن الظلام أعمى عينه ( 1 يو 2/9-11)

أو ليس لنا اليوم ، في زواية من زوايا قلبنا الموحش، جرح يسيل حزناً أو غماً أو حقداً أو كراهية في حق أخ لنا أو قريب أو صديق أو جار أو غريب؟

او يكون في قلبنا ظلمة ونحن نقيم عيد النور ؟ أيكون في قلبنا موت ، ونحن نحتفل بغلبة الحياة على الموت ؟ : " نحن نعلم – يقول الرسول يوحنا – أننا انتقلنا من الموت الى الحياة ، لأننا نحب اخوتنا . من لا يحب ، بقي رهن الموت . من أبغض أخاه فهو قاتل ، وانتم تعلمون أن ما من قاتل له الحياة الابدية " ( 1 يو 3/ 14-15)

ليس من سبيل إذن أن نلتمس المصالحة مع الله ، إذا لم يكن في قلبنا استعداد للمصالحة مع الاخرين. وعبثاً نطلب .

نحن اليوم في لبنان ، في أثر النزاع الذي صدع حياتنا وزعزع مصيرنا وشوه تاريخنا ، لنا مصالحة كبرى تتخطى الاحقاد الفردية ، وتستوي على صعيد الوطن بأسره .

نحن اليوم في مواجهة مصير خطير ومنعطف حاسم من منعطفات مسيرتنا الوطنية . وأي ظرف أدعى الى تناسي الاحقاد وإسقاط التهم المضرة التي يحتفظ بها كل فريق في ذاكرته الجريح وقلبه الوجيع؟ ليس احد ينتظرمن احد صك براءة لتحقيق المصالحة . كلنا قد أخطأنا قليلاً أو كثيراً ، في حق هذا الوطن الذي يدفع اليوم من خلال أبريائه ، ثمن التشنجات والمنازعات والمساومات التي ارتضيناها تلبية لدوافع ونوازع لا سبيل الى الاعتزاز بها:

" إذا زعمنا أننا بلا خطيئة – يقول الرسول يوحنا – خدعنا أنفسنا ولم نكن على حق . وإذا اعترفنا بخطايانا فالله أمين وعادل يغفر لنا ويطهرنا من كل إثم " ( 1 يو 1/8-9)

مصالحتنا الوطنية لا بد أن تنطلق من منطلق المحبة التي تنسى ما وراءها وتمتد الى ما امامها ، على حد تعبير الرسول بولس ، المحبة التي وصفها الرسول بأنها رفيقة ومتأنية، لا تحسد ولا تتباهى ولا تنتفخ ، لا تطلب ما هو لها ، لا تظن السوء ، لا تفرح بالظلم بل تفرح بالحق ، المحبة التي تتغاضى عن كل شيء ، تصدق كل شيء ، ترجو كل شيء ، تصبر على كل شيء

( 1 قور 13/ 4-7)...

مثل هذه المصالحة التي تتخطى المظاهر ولالفاظ ، يمكن أن نبني عليها وطننا الجديد ، بإنسانه الجديد، يقلبه الجديد ، بضميره الجديد، بمعزل عن النزاعات الصغيرة والمصالح التي لا يمكن بعد أن تصمد ، إثر المحنة المصيرية التي اختبرناها .

هكذا ، إذا تمت لنا هذه المصالحة مع الله ومع الاخرين ، على صعيد حياتنا الفردية والوطنية، فنحن خلق جديد في المسيح ، كما يقول بولس الرسول ، " لقد زال كل شيء قديم ، وها هوذا كل شيء جديد ، وهذا كله الذي صالحنا على يد المسيح " ( 2 قور 5/11-18).

إذ ذاك يسوغ لنا أن نتوجه بنشيد القيامة ، الى جميع الذين ينتظرون القيامة، من قبر مأساتهم ويأسهم ودموعهم ، الى جميع المحزونين و المنكوبين والمهجرين والمعطوبين ، الى جميع الذين مات الامل في قلبهم ونزح الرجاء من حياتهم ،الى جميع اللبنانيين حكاماً وشعباً وجيشاً ، والى كل الذين خاضوا ولا يزالون يخوضون معركة البقاء والكرامة ، الى جميع هؤلاء ، نتوجه بنشيد العيد :

" المسيح قام ... ووهب الحياة للذين في القبور "

آمين

+ المطران الياس يوسف رحال

راعي أبرشية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك


No comments: